قال الشافعي .. ومن لم يذق مرّ التعلّم ساعة *** تجرع ذل الجهل طول حياته ومن فاته التعليم وقت شبابه *** فكبّر عليه أربعاً لوفاته تأتي الامتحانات فيسيطر شبح القلق على الجميع، وتنهمر الدموع معلنة عن خوف صاحبها الهائل أو عجزه، ويضيع التركيز وتختل الأعصاب، وقد يصاب البعض بحالات من الاكتئاب واليأس والعجز التام عن التحصيل والتفرغ للوساوس الشيطانية حتى يحولها لواقع ويغفل عن قول الله تعالى( وتوكل على الحي الذي لا يموت)
يقول د. ملهم زهير دكتور الطب النفسي المشكلة أن الطالب لا ينظر إلى الامتحان على أنه سبرٌ لمعلوماته لا لشخصه، وبالمقابل لم يجعل الأبوين أو المحيط من الامتحان المُعبّر الوحيد عن شخص ابنهم و ذكاءه وإخلاصه ومحبته لهم.. لوجدنا أن رهاب الامتحان عند معظم الطلاب قد يتضاءل أو يضمحل. وفي ساعة الامتحان ومع ورقة الأسئلة يتجلى المعنى الأصلي من الامتحان، وهو أنه عملية سبرٍ للمعلومات والخبرات الشخصية وحسب، لذلك نجد الكثير من الناس تزول مخاوفهم عندما يشرعون في الإجابة على الأسئلة.
ويوضح الدكتور جملة من المواضيع النفسية التي تهم الطالب بسبب الامتحان والتي قد يوصل نفسه إليها دون ان يشعر، وبعض الأسباب الطبية النفسية المسببة للرسوب في الامتحان، ومن أهمها:
1- الاكتئاب كاضطراب طبي Major Depression Disorder: من الشائع أن يُقال أن الاكتئاب كمرض عند فلان من الناس كان سببه الرسوب في الامتحان، أي أنه رَسَبَ فاكتئبَ، لكن في غالب الأحيان وحسب خبرتنا في العيادة النفسية نجد أن بوادر الاكتئاب المرضي سبقت فترة الامتحان فكانت هي السبب في الرسوب، لما يحدثه هذا المرض من عجز وضعف همّة وعجز واضطراب في التركيز للمريض، لتصبح المعادلة معكوسة، أي اكتئبَ فرَسّبَ. والمعادلة بالطرف المعاكس أقل شيوعاً .؛ لذا على الطالب أن يستعين بالله ويتوكل عليه ويلجأ إليه بالدعاء بطلب التوفيق والعون، والله تعالى قريب مجيب.
وأن يكون متفائلاً بقوة بأنه سيحقق النجاح والتوفيق، ويحذر بشدة من (التفكير السلبي)، أو الرسائل السلبية حول (الفشل) وصعوبة المنهج واستحالة النجاح! وغيرها من الأفكار الخطيرة جداً؛ فمثل هذه الأفكار تعتبر رسائل سلبية ينتج عنها - غالباً - إخفاق وفشل بعكس (الأفكار الإيجابية) المبنية على الثقة والنجاح التوفيق.
2- أعراض القلق المرضي Generalized Anxiety Disorder وما تحدثه هذه الحالة من ضعف في التركيز ونسيان وتشوش.
3- رهاب الامتحان Specific Phobia: حالة خوف شديدة من الامتحان وتوقع الرسوب فيه، مما يضعف التحصيل العلمي و التحضير ويترافق مع ضعف التركيز عند الدراسة وسوء المذاكرة.
4- الوسواس القهري Obsessive Compulsive Disorder : وهو انشغال البال بشكل متكرر بأفكار متسلطة تتردد على ذهن الطالب لا يستطيع ألا يفكر بها، يعتبرها سخيفة لا قيمة لها، لكنها تسبب كرب شديد و يعجز عن طردها مما يؤثر سلباً على تحصيله الدراسة
لذا فأولاً وقبل كل شيء وأهم من كل شيء.. اخلاص النية لله ثم تحديد الهدف وتكوين رؤية مستقبلية واضحة ومشرقة!
فيجب أن يعلم الطالب أن من أعظم الأمور لنجاحه وتفوقه وليكن هدفه كبيراً ونبيلاً، ومهما كان يجعل عنوانه العريض (( نيل رضا الله تعالى)). عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَن تعلَّمَ عِلما مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجهُ اللهُ ، لا يتعَلَّمُه إِلا ليُصِيبَ بِهِ عَرَضا مِن الدُّنيا ، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يومَ القِيامَةِ )) يعني : رِيحها . أخرجه أبو داود .
والهدف الكبير والمشرق الساطع يحفّز الطالب أكثر نحو العمل، ويجعله أكثر صبراً على تحمل صعوبات الدراسة، لأنه يمشي في طريقٍ طويلٍ وشاقٍ، يحمل بين جنبه نفساً توّاقةً حالمةً، وثغراً بسّاماً، وعينان معلّقتان نحو مستقبلٍ مشرقٍ بإذن الله
ويوضح د. زهير أن وقت النوم المنصوح به رغم اختلاف الآراء ما بين النوم المبكر والنوم المتأخر (السهر على الدراسة). إلا أنه شخصياً وجد أن النوم المبكر و الدراسة في ساعات الصباح الأولى هي الدراسة المثمرة، وهذا الكلام تدعمه العديد من الدراسات ويتوافق مع فيزيولوجيا الجسم من حيث إفراز الهرمونات وفيزيولوجيا النوم أوما يدعى بالساعة البيولوجية والتوازن العضوي عموماً، وحسبنا دعاء نبينا لنا بالبركة في وقت البكور، عن صخر بن وداعة الغامدي رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (( اللَّهُمَّ باركْ لأُمَّتِي في بُكُورِها )). أخرجه أبو داود والترمذي .
الأرق Insomnia في الامتحان:
إن مشكلة الأرق Insomnia (صعوبة الدخول في النوم) في فترة الامتحان هي مشكلة شائعة وتشكل مشكلة حقيقية ذات وقعٍ سيءٍ على الطالب.
وفي حال كان الأرق جزءاً من مرضٍ عضويٍّ أو نفسيٍّ، فلا بد من معالجة السبب الرئيسي كالاكتئاب مثلاً أو فرط نشاط في الغدة الدرقية Hyperthyroidism. أما إن كان أرقاً أولياً Primary Insomnia ليس خلفه سببٌ رئيسيٌ، فيمكن اللجوء إلى النصائح التالية:
* القاعدة الذهبية: (( دع النوم يطلبك ولا تكن له طالباً، فإنك إن طلبته هرب، وإن تمردت عليه سعى خلفك لاهثاً )). بمعنى لا تأوي إلى الفراش إلا إذا كنت نعساً.
* هيأ نفسك للنوم كتقليل الإضاءة في الغرفة والامتناع عن تناول المشروبات المنبهة في وقت المساء كالقهوة والشاي و العصائر الغنية بفيتامين C، والحمام الساخن قبل النوم جيد قد يساعد على النوم.
* أعطِ جسدك وقتاً معيناً لكي ينام، ينصح بفترة نصف ساعة، وإن مضى الوقت ولم تنم انهض من فراشك واعمد إلى نشاطٍ بديلٍ كقراءة الكتب أو الاستماع لقراءة هادئة من كتاب الله أو الصلاة أو مشاهدة برامج هادئة على التلفاز. فليس من المفيد مجاهدة نفسك لساعة أو ساعتين على الفراش لكي تنام فهذا يتعبك ويشعرك بالإحباط الشديد.
* لا تجعل من قلة نومك في الليلة الماضية حدثاً كارثياً يؤرق نهارك.
* في حال استمرار المشكلة فمن المفيد اللجوء إلى الطبيب لتقييم مشكلتك، وقد يعطيك بعض الأدوية المؤقتة المساعدة على النوم. مع العلم أن بعض الأدوية المنوِّمة المتعارف عليها بين الناس قد تسبب خمول وضعف تركيز في اليوم التالي.
ويشرح الدكتور علاقة الغذاء والدواء بالامتحان فيقول:
قديماً قالوا : (( البِطْنَةُ تُذهب الفِطْنَة )) و (( المعدة العامرة لا تحب أن تفكر ))
وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه، حسب بن آدم ثلاث أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث طعام وثلث شراب وثلث لنفسه ). أخرجه الحاكم في مستدركه.
النصيحة الغذائية المختصرة خلال وقت الامتحان:
* نظم أوقات طعامك حسب ظروفك واحتياجاتك .. لا تكن فوضوياً و كل باعتدال .. ابتعد عن الإسراف والتبذير.
* إعطاء الزمن الكافي للطعام ولا حجة بضيق الوقت.
والقاعدة: (( امضغ اللقمة الواحدة ثلاثين مرة خير لك من أن تبتلع ثلاثين لقمة )).
* ابتعد عن الأغذية الدسمة بكثافة، لأن هذه الأنواع تجعل الإنسان الذي يكثر منها أميل للنعاس, وهذا يتعارض مع دراستك النشطة.
*حاول أن تقلل من السكريات والأملاح والدهون
*اشرب ما بين 6-8كاسات الماء النقي يومياً
*تناول الأطعمة التي تحتوي على كميات كبيرة من الماء مثل :مختلف أنواع سلطات الخضار والفواكه ,
*وإذا شعرت بأنك بحاجة إلى شئ من الطاقة فلا تأكل الحلوى المصنّعة بل تناول من ذلك الفواكه
*وإذا شعرت بأنك بحاجة إلى الراحة تناول شئياً من الحليب أو الجبن تعطيك المزيد من الهدوء والراحة النفسية والاطمئنان بعد ذكر الله والصلاة المكتوبة والنافلة
* حاول أن تتناول الأغذية الغنية بالبروتين والفيتامينات مثل اللحوم والبيض والحليب والفول والعدس والبازلاء والحمص ومجمل الخضار لأنها غذاء الدماغ.
* قلل قدر الإمكان من الكاكاو والبن والشاي والكولا.
* احرص أن يتوفر في طعامك بضعة معادن أمثال : الزنك Zink، وهي موجودة بالخضار مثل الفاصولياء الناشفة والفول والقرنبيط والملفوف - وفي الفواكه مثل التفاح والأجاص والعنب والدراق - وفي المكسرات مثل الفستق العبيد.
ويفسر الدكتور أن شعور الإنسان بالذنب قد يعرضه للفشل في الامتحان:
قد يقع الطالب -كونه بشراً- في معصية أو ذنب تجاه أهله أو ربه، مما قد يوقعه في دوامة الشعور المرضي بالإثم، ولا نقصد الشعور الطبيعي بالخطيئة وهو شعور صحي يدفع نحو العمل واستدراك الخطأ وتصحيحه، بل نقصد هنا الشعور المحبط المثبّط عن العمل والسعي، وذلك لمّا يقول الطالب لنفسه (بأن الله تعالى سوف لن يوفقه في الامتحان لذنبه هذا !) ( إن الله يعاقبني فلم يوفقني).
طبعاً الأولى الابتعاد عن المعصية، ولزوم سبيل الاستقامة. قال تعالى : ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) التغابن/16، وقال عز من قائل: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) البقرة/282.
ومع هذا .. (( كل ابن آدم خطاء )) ولكن (( خير الخطائين التوابون ))
فيجب أن يسارع الطالب إذا وقع في معصية إلى الاستغفار والتوبة والندم، ويعاهد ربه ألا يعود لتلك الفعلة قال تعالى : ((وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى)) طه/82 . ومن التوبة .. المسارعة إلى الدراسة لتعويض ما فات .. قال تعالى ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )) هود/114.
وتذكر أن الله تعالى يعاملنا برحمته وعفوه ولا يعاملنا بعملنا..
وكم وكم من الأحاديث النبوية الشريعة التي تتحدّث عن عبارات إن قالها العبد بصدقٍ غُفر ذنبه ولو كان مثل زبد البحر!!
ويضيف د. محمد ديماس في كتابه أسرار التفوق الدراسي :
أن اختيار المكان المناسب للمذاكرة أمر ضروري للحصول على أفضل النتائج بعون الله، واحرص فيه على توفر أمور ضرورية جداً ، وهي :
1-النظام في وجود الأشياء من حولك أثناء المذاكرة؛ لأن ذلك يمنحك إحساساً بالارتياح وهدوء الأعصاب.
2- الجلوس المناسب؛ لأن الجلوس المناسب والمريح يضمن لك وضعاً صحياً لأطول فترة من الجلوس، ولكن تنبه إلى أن الراحة الزائدة أثناء الجلوس قد تبعث على الخمول والكسل! فحاول أن تغير من نمط جلستك بين فترة وأخرى.
3- التهوية المناسبة؛ وهذا أمر ضروري لإنعاش الذهن والقدرة على التركيز.
4- الإضاءة المناسبة.
ويقول د.محمد أن بعض الطلاب قد يعاني من مرض يسمى : حمى الاختبار لذا لا بد من الحصول على قسط من الراحة قبل الساعات الأخيرة من الامتحان، وألا يهمل الطالب الرياضة البدنية في أيام الاختبار رغم ضيق الوقت لأن لها فوائد إذ أن التدريبات تساعد في الحصول على تنشيط الدورة الدموية مما يساعد على وصول كمية كافية من الدم إلى الدماغ .
وأخيرا يجب أن نتذكر قول الشافعى
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي