[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] هل يمكن ان تؤدي المجزرة الاسرائيلية الى تعديل سياسة النظام المصري تجاه معبر رفح؟ هل يمكن ان تكون غطاء لفتح مستديم للمعبر في استثمار للتعاطف الدولي الهائل الذي ادت اليه المجزرة؟ ام انها لن تؤثر على سياسته تجاه معبر رفح.
لا بد ان هذه الاسئلة المشروعة ستكون محل جدال واسع في الساحة السياسية والاعلامية المصرية والعربية خلال الايام المقبلة.
ومن الصعب التنبؤ بالاجابة عنها، الا ان المؤكد ان المجزرة ستشدد ما يتعرض له النظام داخليا واقليميا من احراج بسبب غزة، كما ستكرس اجواء من الارتباك تشوب الموقف الرسمي المصري بالفعل تجاه هذا الملف الشائك.
وكانت وزارة الخارجية المصرية اصدرت بيانا الاسبوع الماضي اكدت فيه استعدادها لادخال جميع قوافل الاغاثة الى غزة سواء جاءت عن طريق البر او البحر، وهو ما فاجأ المراقبين اذ ان احدا لم يطلب من السلطات المصرية ادخال القافلة الاخيرة عبر ميناء العريش.
ولاسباب غامضة قامت الخارجية بسحب هذا البيان بعد ساعات من نشره على موقع التلفزيون المصري، ولم تنشره اي من الصحف الحكومية في اليوم التالي.
وتزامن هذا الاجراء مع زيارة مسؤول مصري رفيع الى اسرائيل، ما يشير الى ترتيبات مشتركة لمواجهة هذا التحدي الجديد للحصار.
ومن المفيد ملاحظة ما يلي:
1 ـ ان ما فعلته اسرائيل فجر امس ليس مجرد قرصنة او ارهاب دولة، بل انه يرقى لمستوى عمل حربي واعتداء على دول ذات سيادة في المياه الدولية، وهو ما يكفي نظريا لاندلاع حرب. فالسفن المدنية التي ترفع اعلام دولها في مياه دولية انما هي قطع متحركة من اراضي تلك الدول، والتعرض لها انتهاك للقانون الدولي فضلا عن كونه تهديدا مباشرا للامن الدولي.
2 ـ ان اسرائيل بهذا العمل توجه رسالة اخرى واضحة بأنها دولة فوق القانون تستطيع ان شاءت ان تمارس العربدة ضد من تشاء في البحر، وها هي توجه صفعة جديدة لحلفائها الاوروبيين بعد شهور قليلة من انتهاكها لسيادتها، في عملية اغتيال المبحوح.
3 ـ ان جناحا في النظام المصري سيلتقط هذه الرسالة للتأكيد على 'حكمة' السياسة تجاه رفح، وضرورة استمرارها، محتجا بأن اسرائيل التي لا تتورع عن انتهاك سيادة دول اعضاء في الاتحاد الاوروبي او حلف الاطلسي لن تتردد في قصف المعبر اذا قررت مصر فتحه. ويتفق هذا مع حقيقة ان النظام لا يريد ان يجد نفسه في حالة عجز عن الرد كما حدث اثناء العدوان الاسرائيلي الاخير على غزة.
4 ـ ان اسرائيل ستقرأ هكذا موقف بما يكرس ما اصبحت تعتبره حقوقا مكتسبة في شن الغارات على منطقة المعبر منذ العدوان الاخير، وهي الغارات شبه الوحيدة شبه المستمرة، في رسالة ارهاب الى الجانب المصري اكثر منها لغزة نفسها.
5 ـ استخدم النظام المصري تقريبا التعبيرات الدبلوماسية نفسها التي استخدمتها فرنسا في ادانة الهجوم الاسرائيلي على القافلة. رغم انه اذا كان معبر رفح مفتوحا بشكل دائم ومنتظم لما كان هناك حصار اصلا، وما كان هناك داع لهذه القافلة اوغيرها.
ويتضح مأزق الخطاب الاعلامي للنظام عندما يحمل تارة 'الانقسام الفلسطيني' المسؤولية عن اغلاق المعبر، ثم يناقض نفسه عندما ينفي ان يكون المعبر مغلقا اصلا.
واحتفل التلفزيون المصري قبل ايام بدخول ما قال انه قافلة اماراتية تحوي ستة الاف طن من المساعدات الطبية في اشارة الى انه لا يوجد اغلاق من الجانب المصري، وان معبر رفح مستعد دائما لادخال المساعدات الطبية، كما ان نحو ستة الاف فلسطيني قد عبروه خلال الشهر الماضي.
وبغض النظر عن ان ما بين فرنسا وغزة لا يشبه من بعيد او قريب ما بين مصر وغزة، فان ما يستطيع النظام المصري ان ما يفعله يفوق بكثير ما تستطيعه كل الاطراف الاخرى مجتمعة اذا توافرت الارادة السياسية لكسر الحصار.
بل ان الموقف العربي، وخاصة الموقف المصري يشكل الداعم الرئيسي لاستمرار الحصار الاسرائيلي، في المحافل الدولية.
6 ـ العلاقات شبه الحميمة التي تربط النظام المصري حاليا مع الحكومة اليمينية المتطرفة في اسرائيل، رغم انها الاكثر عدائية لمصر نفسها منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد، تمثل في حقيقتها وضعا شاذا مقارنة بالعلاقات المتوترة او الفاترة تقليديا بين النظام المصري وحكومات اليمين الاسرائيلية في الماضي.
ولا يمكن فهم هذه الحالة بعيدا عن معطيات الاطار الاقليمي والدولي، او الوضع الداخلي في مصر.
وهذا ملف شديد التعقيد، ولكن هذه العلاقة القوية مع حكومة نتنياهو اصبحت احد الاعمدة الاساسية التي يستقوي بها النظام لحماية علاقته الاستراتيجية مع واشنطن من التردي في ظل التوتر الذي بدا واضحا الشهر الماضي عندما ادانت واشنطن بلغة خشنة وغير مسبوقة تمديد قانون الطوارئ. بينما ايدت اسرائيل وحدها النظام في قرار التمديد الذي استفز ادانات من كل اصدقائه التقليديين في الغرب.
7 ـ ان النظام المصري المشغول بعام انتخابي 'حاسم' حسب تعبير الرئيس المصري، لا يريد ان يغامر باغضاب اسرائيل، وبالتالي المخاطرة بالتعرض لمزيد من الضغوط الامريكية بشأن ضمانات شفافية الانتخابات ونزاهتها.
كما ان اي تعديل ايجابي للسياسة تجاه معبر رفح وسط هذه المعطيات سوف تعني، من وجهة نظره، تراجعا امام موقف حماس الرافض للتوقيع على ورقة المصالحة المصرية، وهو ما يقوض السلطة المعنوية التقليدية للدور المصري في فلسطين والاقليم.
8 ـ وصلت العلاقات بين النظام المصري وحركة حماس الى حالة من الانسداد والتوتر تكاد تكون غير مسبوقة، منذ تحققت علاقة رسمية بين الجانبين اثر توقيع اتفاق الفصائل الفلسطينية في القاهرة عام 2004، وهو الاتفاق الذي الغاه الرئيس الفلسطيني في العام 2007.
وتعكس موجة الاتهامات التي شنتها حماس ضد القاهرة مؤخرا بشأن المعتقلين الفلسطينيين بمصر مدى ما وصلت اليه العلاقات من ترد، وكذلك رغبة حماس في استئناف الحوار، الا ان القاهرة تصر على ان توقع حماس اولا على الورقة كما فعلت السلطة الفلسطينية كشرط لاستئناف العلاقات.
وهكذا يبدو قطاع غزة ضحية لهذه الدائرة الجهنمية من التعقيدات والمعطيات الاقليمية والمحلية التي لا تبدي بوادر انفراج قريبة، الا ان االجانب المصري يبقى الباب الملكي لتغيرات جذرية تنهي حصارا استمر ثلاث سنوات، واصبح عبئا اخلاقيا يحاصر النظام المصري نفسه.